Tuesday 6 September 2011

الثورة السورية والمجالس الوطنية


         أثار الاعلان , قبل اسبوع , عن تشكيل المجلس الوطني الانتقالي الكثير من النقاشات وردود الأفعال والتصريحات السلبية والايجابية  من قبل هيئات أو أشخاص سواء من داخل المجلس أو من
خارجه . ولعل الايجابيات التي أجمع عليها الكل - أو لنكن أكثر تحديـدا فنقـول الايجـابية الوحيـدة -
تتمثل في كون معظم الأعضاء الذين تم تعيينهم - إن لم يكن كلهم - من الشخصيات الوطنية المشهود
لها بالكفاءة والخبرة النضالية والنزاهة .
        وقد سارعت الهيئة العامة للثورة السورية التي تم تشكيلها قبل اسبوع من ذلك الى إستنكارهذا
الاعلان التي قالت أنه صادر عن جهة غير معلومة وبينت أنه لا علاقة للهيئة لا من قريب ولا مـــن
بعيد بهذا المجلس . كما إستنكرالكثيرممن وردت أسماؤهم في عضوية المجلس الطريقة التي تم بهــا
هذا التشكيل بينما إكتفى آخرون بإبــداء مفاجأتهم بورود أسماؤهم دون إستشارة أو تنسيق . بمـا فـيهم رئيس المجلس المعين الدكتور برهان غليون الذي عقب على ذلك بشكر شباب الثورة على ثقتهم بــه
دون أن يوضح من ومتى وكيف تم هذا التكليف .
         وكان الأبرز في المواقف  ذلك التصريح الغريب الخطير الذي صدر عن المعارض البـــارز السيد ميشيل كيلو, الذي هو عضو معين في المجلس الانتقالي , والذي قضى كما قال أكثر من نصف
حياته في سجون النظام المجرم , والذي بين فيه أن المعارضة السورية في الداخل متماسكة وأنها لا
ترفع شعار إسقاط النظام بل الحوار معه من أجل تأمين عملية إنتقال سلسة وسلمية إلى نظام تعددي
ديموقراطي . في الوقت الذي نادى فيه الثوار منذ الأسابيع الأولى للثورة وبعد سقوط المئات مـــــن
الشهداء بأنه لا حوار مع السلطة المجرمة على الاطلاق مهما كانت المبررات .  
       وقد توضحت الصورة لاحقا بأن عائلة" سنقر" الثرية السورية والتي مولت في البداية المؤتمـر الأول للمعارضة السورية في أنطاليا هي التي كانت وراء مؤتمر إسطنبول وما نتج عنه من تشكيــل
المجلس الانتقالي . وليس في هذا أي ضير أو خطأ , بل على العكس فإن أي عمل من هذا القبيل هـو
واجب وطني مشروع يشكر القائمون عليه , شريطة أن يتوقف دورهم على التمويل والتحضير دون
أي تدخل لاحق في وضع رؤية مستقبلية أو برنامجا للعمل أو في تحديد الأسماء وإختيار الأشخاص .
       وكان هناك تساؤل كبير حول الصيغة العملية التي سيزاول بموجبها المجلس نشاطه وإجتماعاته
وخاصة أن حوالي نصف أعضائه موجودين داخل سورية تحت المراقبة اللصيقة لأجهزة أمن النظام
المجرم . وجاء بيان الدكتور غليون الثاني ليزيد في غموض الموقف وتعقيده بدلا من توضيحه . فقـد أعلن عن تبلور معالم خارطة طريق من أجل تشكيل مجلس وطني يعلن عنه قريبا لكي يقــود الحراك
الوطني وينظم علاقة الثورة داخل سورية وخارجها ويساهم في إتخاذ القرارات المصيرية . ويتكــون
من ممثلين لتنسيقيات الشباب وممثلين عن الأحزاب المعارضة ومن شخصيات وطنية مستقلة .
        والسؤال الآن : إذن لماذا تم تشكيل المجلس الانتقالي أولا  ؟ وهل سينتهى دوره بعد تشكــــيل
 المجلس المزمع ؟ وإن كان الجواب بلا فما هي طبيعة العلاقة المستقبلية بين المجلسين ؟ ولماذا هذا التعدد والتنوع في تشكيل المجالس والهيئات ؟ 
         وجاء التطور الحاسم والأهم  يوم أمس عندما تم الاعلان عن تشكيل المجلس الأعلى لقيــــادة الثورة السورية لكي يمثل قوى الثورة في الداخل ويقود جهودها حتى تحقيق أهدافها بإسقاط نظـــــام
الأسد المجرم . وتم الكشف في نفس الاعلان عن أسماء العديد من أعضاء المجلس من ممثلي الثوار
في مختلف المحافظات السورية والتحفظ على ذكر بقية الأسماء لضرورات أمنية .
         ويبدو الوقت مبكرا للحكم على هذا المجلس ومدى صدقية تمثيله الفعلي للثوار, وقدرته على قيادة الثورة ميدانيا , وهذا أمر يمكن التحقق منه في أقرب وقت خاصة وأنه لا يمكن الشك بالأسماء
التي أعلن عنها مبدئيا . فهي عائدة لشخصيات ميدانية وطنية مشهود لها بالنضال والكفاح .
            فإذا كان الأمركذلك ( أي صدقية ومشروعية تمثيل الثورة ميدانيا )  فهذا المجلس هو الذي
يجب أن تتوقف عنده الاجتهادات والاختلافات , وهو الذي يجب أن ينفرد بتمثيل وقيادة الثورة . وهو
الذي يمكن أن ينطبق عليه القول المأثور : " وعند جهينة الخبر اليقين " , وهو الذي يجـب أن تـــدور
حوله ووفقا لأجندته كل نشاطات المعارضة داخل وخارج الوطن .
         لكن هناك أمور كثيرة تحتاج لتنسيق وتنظيم وإستكمال  حتى ينجح هذا المجلس في مهمتــــــه
 الوطنية الثورية السامية . وأنني بكل تواضع أتقدم ببعض المقترحات في هذا المجال :
1- يعزز المجلس قوامه بضم ممثلين عن المعارضة السورية في الداخل وبعض الشخصيات الوطنية
    المستقلة ولا يهم ان أعلن عن هذه الأسماء أم بقيت سرية .
2- تندمج وتذوب في كيان المجلس الهيئة العامة للثورة السورية التي أعلن عن إنشائها قبل اسبوعين     وأي كيانات ثورية أخرى .
3- تتوحد كافة التنسيقيات والمواقع الاعلامية في كيان واحد تحت مسمى " اللجنة الاعلامية لمجلس
    قيادة الثورة " وتعيين ناطق رسمي بإسم الثورة السورية .
4- تعلن قيادة جيش سورية الحر( لواء الضباط الأحرار ) إنضوائهــا تحت مظلــة المجلس الوطني
    وتشكل ذراعه العسكري .
5- يتم حل أو تجميد نشاط المجلس الوطني الانتقالي , وكذلك المجلس الوطني المزمع إنشائــه حسب
    بيان السيد غليون وتوحيد كافة الجهود في الخارج لدعم ومساندة الثورة والثوار في اطار ما يمكن
    تسميته " المجلس الوطني لدعم الثورة السورية " وهناك الكثير من المهام الحيوية التي يمكن لمثل
    هكذا مجلس القيام بها وهي لا تقل أهمية عن عمل الثوار في الداخل .
6- في المستقبل يمكن التنسيق بين المجلسين في الداخل والخارج لتشكيل هيئة إنتقالية (حكومة مؤقتة,
    مجلس إنتقالي , لا تهم التسمية هنا ) لقيادة البلاد مؤقتا بعد نجاح الثورة وزوال النظام المجرم .

          في الوقت الذي نحتاج فيه لتوحيد الجهود وتكاتف الصفوف تطلع علينا الأخباربين يوم وآخر
بتشكيل مجلس هنا وهيئة هناك وكيان ثالث في مكان آخر وتثار زوابع من الانتقادات المتبادلة وتوجه
سهام الاتهامات في كل الأنحاء وشباب سورية الأحرار يقتلون كل يوم بالعشرات بدم بارد وبوحشية
بالغة من قبل النظام المجرم وعصاباته البربرية .
          الوحدة أيها الثوار وأيتها المعارضة والنصر بإذن الله للشعب السوري البطل .

في 5/9/2011                                                            العميد الركن المتقاعد عقيل هاشم