Saturday 10 September 2011

النظام السوري والعلاقات الدولية : القسم الأول



 القسم الأول : إيران 
        الحديث عن العلاقة بين النظامين السوري والايراني يستتبع بالضرورة الحديث عن حزب الله وكذلك - ولو بشكل مختصر - عن العلاقة بين النظام السوري والحكومتين العراقية واللبنانية بإعتبار
أن هناك خيطا متينا يربط هذه الكيانات الخمسة بعضها ببعض في الوقت الراهن .
        حظيت الثورة الاسلامية الايرانية التي قامت عام 1979 بتأ ييد شعبي وجماهيري كبيرين على
الساحتين العربية والاسلامية , خاصة بعد قطع العلاقات مع إسرائيل , وإعلانها عن دعــم القضيــــة الفلسطينية ومقاومتها للتوجهات الغربية الاستعمارية . وقد كافأها صدام حسين على ذلك بشنه حربــا
ظالمة على إيران أدت لمقتل ما يزيد عن مليوني إنسان من الطرفين ولم تخدم سوى مصالح الولايات
المتحدة وإسرائيل اللتان كانتا على علاقات وثيقة مع نظام الشاه البائد .
        في تلك الحرب - وخلافا لما هو عليه الحال الآن -  دعم النظام السوري إيران بشكل منقطــــع
النظير وفي كافة المجالات العسكرية والسياسية . ليس بدوافع الحق والعدالة, وإنما من منطلق العـداء الشرس بين النظامين البعثيين السوري والعراقي , والحقد والكره المتبادلين بين الزعيمين الدموييـــن
المقبورين حافظ الأسد وصدام حسين .
        وقد أنشأت القيادة السورية خلال تلك الحرب محطات رصد ألكتروني على الحدود العراقيــــة
لمراقبة تحركات القوات العراقية وتزويد إيران بكل المعلومات المتوفرة عنها.وتم تشغيل جسر جوي
بين البلدين لنقل الأسلحة والذخيرة والمعدات العسكرية . حتى أنه مرت فترة فرغت فيها مستودعات
الجيش السوري من ذخيرة المدفعية كليا .
       وجاءت النقلة النوعية في العلاقات بين سورية وإيران في حقبة التسعينات من القرن الماضـي
بعد إنهيار الاتحاد السوفييتي الحليف والداعم الرئيسي لسورية , وبعد تعافي إيران من الحرب التــي
إنتهت عام 1988 , وإستعادتها لقدراتها العسكرية والصناعية والمالية . وحلول الوقت لكي تقـــــوم
إيران برد الجميل للنظام السوري . وبذلك أصبحت الحليف الأوثق لسورية .
        في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ولاحقا إغتيال الحريري وجد النظامان السوري
والايراني نفسيهما في مواجهة إخطار ماحقة كل لأسبابه الخاصة . إيران بسبب برنامجهـــــا النووي
وسورية بسبب إتهامها في مقتل الحريري . وكان وجود قوات ضخمة أمريكية وبريطانية في العراق
خطرا لا يمكن تجاهله . ولم يكن عسيرا على كلا النظامين الاستنتاج بأن دوام الاضطرابات وأعمال
القتل والتخريب في العراق هو السبيل الوحيد لتجنب أية أخطار وتهديدات . وهكذا توافق الطرفــــان
على إشعال نار الحرب الأهلية والفتنة الطائفية في العراق . وبما يخالف كل المباديء والقيم قــــــام
النظام السوري بتجهيز وتسليح الآلاف من عناصر القاعدة والمتطرفين الأصوليين ودفعهم للعمل في
العراق لتنفيذ أعمال القتل الطائفي تحت غطاء مقاومة الاحتلال . بالمقابل دفع النظام الايراني بجيش
المهدي ( مقتدى الصدر ) للقيام بأعمال القتل الطائفي المعاكس . وكانت النتيجة سقوط مئات الآلاف
من الضحايا المدنيين العراقيين .
          وكان مطلوبا أيضا إشعال الساحتين اللبنانية والفلسطينية . وكان هذا امرا متيسرا في لبنـــــان
بوجود حزب الله الذي حول ترسانته العسكرية والسياسية بإتجاه الداخل اللبناني ونجح أخيرا بإيجــــاد
حكومة خاضعة لسيطرته كل مهمتها عرقلة جهود المحكمة الدولية ومنعها من القيام بمهمتها . أما في
فلسطين فقد أوكلت المهمة لحماس الممولة من قبل إيران لكي تشق الصف الوطني الفلسطيني وهو ما
نجحت فيه بإمتياز .
         كان النظام السوري يتمتع - زورا وبهتانا - بصفات الوطنية والممانعة والمقاومة حتى إنطلقت
شرارة الثورة السورية لتعريه كليا ولتبينه على حقيقته المؤكدة كنظــام ديكتاتوري إرهــابي لصوصي فاسد ومجرم . وقد توقعت القيادة الايرانية أن يتمكن النظام السوري خلال بضعة أيام – وعلى الأكثر أسابيع - من القضاء على هذه الثورة التي كانت بنظرها مجرد إضطرابات مدفوعة من قبل جهـــــات
أجنبية شبيهة لما حدث في إيران في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأخيرة .
         لكن ذلك لم يتحقق رغم وقوف النظام الايراني بكل زخم وراء النظام السوري ووضعه لكــــل
إمكانياته المالية والمادية وحتى البشرية بتصرفه ( ولا نجزم هنا بشكل قاطع بإشتراك عناصر مـــــن
الحرس الثوري الايراني في قمع المظاهرات في سورية ) فقد إستمرت الثـــورة وإزدادت  توهجــــا وتوسعت لتشمل كامل الرقعة الجغرافية السورية الأمر الذي جعل القيادة الايرانية تعيد حساباتها بعـد
أن دخل عامل جديد على الموقف يتمثل في الرأي العام الايراني .
        لم يعد الشعب في إيران يتقبل ما يجري في سورية , وقد هاله كل ذلك القتل والتدمير , ان مقتل
الآلاف وإعتقال عشرات الآلاف وتدمير المساجد والبيوت والممتلكات أمرا لا يمكن أن يســـتوعب أو
يفهم تحت أي ظرف من الظروف . وتدور نفس الهواجس في أوساط بعض رجال السلطة .
        ان القيادة الايرانية – مثلها مثل أي سلطة حاكمة في العالم – تفكر( ويجب أن تفكر) بمنظـــور عملي براغماتي . وهي الآن مجبرة – في ضوء إستمرار الثورة السورية - أن تضع في إعتبارهــــا إحتمال أن يسقط النظام  عاجلا أم آجلا . وهي لا تريد أن تتخلف وراء الأحداث , وعليها أن تفكـــــر
منذ الآن بالبدائل وخطوط الرجعة وهذا الذي يفسر تغير الخطاب الرسمي الايراني مؤخرا والحدـيث عن ان القتل يجب أن يتوقف وأن على النظام السوري أن يتحاور مع شعبه إلى آخر ما يرد في هــذه
الأسطوانة الجديدة .
         وقبل أن يسيء أحد ما فهم هذا الموقف الجديد الايراني ويقفز إلى الاستنتاج بأن هناك تبــــدلا
جوهريا فيه أسارع للقول بأن العلاقة المصلحية بين النظامين السوري والايراني لا تزال متماسكــــة
وقوية وأن هذا التبدل قد يكون موجها للاستهلاك الداخلي وانه حتما غير ناتج عن غيرة على الدمــاء
الزكية التي تسفح كل يوم في شوارع وساحات سورية بقدر ما هو إستنكار لغوغائية وسوء تصــرف
وغباء الطغمة الحاكمة في سورية .
        أما في لبنان فأنني أجزم بأن حسن نصر الله وقيادة حزب الله لا يحملون في قرارة أنفسهـــم أي
إحترام أو ود للنظام السوري المجرم لكنهم مرغمين – بحكم المصلحة البحتة – على إقامة أوثــــــــق
العلاقات معه بإعتبار أن سورية هي الرئة التي يتنفس منها حزب الله وهي شريان الحياة الذي يوصل
للحزب كل الدعم الايراني الحيوي من أموال وأسلحة وتجهيزات وحتى بالقوى البشرية .
        وقيادة حزب الله الآن تعدل في خطابها الرسمي - كما هو الأمر في إيران - للاستهلاك المحلي
وهو أمر أكثر إلحاحا بإعتبار روابط الأخوة التي لا يمكن أن تنفصم بين الشعبين السوري واللبنـــاني
ولا يزال أهل الجنوب اللبناني يتذكرون جليا البيوت والصدور التي فتحت لهم أثناء عدوان تمـــــــوز
الاسرائيلي الغادر .
         كما أن حسن نصر الله لديه دافع آخر من منطلق شخصي بحت , فهو يدرك أن جماهيريتـــــه
وشعبيته التي وصلت إلى عنان السماء في سورية وتجاوزت الحدود الطائفية قد بدأت تتهاوى وتندثر
بل وإنقلبت إلى سخط وغضب وإستنكار . وهو قبل كل الناس بأمس الحاجة لتبديل مواقفه . وعندمــا
يدرك الحزب الحقيقة التي عمي عنها طويلا بأن الرئة السورية لا تتمثل في النظام المجرم وإنما في الشعب السوري , فإنه سيتراجع عن مواقفه السابقة بشكل معكوس كليا .
         يتبقى أن نعرج قليلا على موقفي حكومة العراق الخاضعة كليا للسيطرة الايرانية والحكومــة
اللبنانية القابعة في أحضان النظام السوري فهما حكومتي أجراء وأتباع ليس لهما في القـــــرار شيء
وسيدفعان يوما ما ثمن التبعية والخنوع والاستذلال .
في 8/9/2011                                                   العميد الركن المتقاعد  عقيل هاشم